فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن الحبر جعل الحوت لا يمس شيئًا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة، وهذا وكذا ما سبق من الأمور الخارقة للعادة التي يظهرها سبحانه على من شاء من أنبيائه وأوليائه، ونقل الدميري بقاء أثر الخارق الأول قال: قال أبو حامد الأندلسي رأيت سمكة بقرب مدينة سبتة من نسل الحوت الذي تزوده موسى وفتاه عليهما السلام وأكلا منه وهي سمكة طولها أكثر من ذراع وعرضها شبر واحد جنبيها شوك وعظام وجلد رقيق على أحشائها ولها عين واحدة ورأسها نصف رأس من رآها من هذا الجانب استقذرها وحسب أنها مأكولة ميتة ونصفها الآخر صحيح والناس يتبركون بها ويهدونها إلى الأماكن البعيدة انتهى.
وقال أبو شجاع في كتاب الطبري: أتيت به فرأيته فإذا هو شق حوت وليس له إلا عين واحدة، وقال ابن عطية: وأنا رأيته أيضًا وعلى شقه قشرة رقيقة ليس تحتها شوكة، وفيه مخالفة لما في كلام أبي حامد، وأنا سألت كثيرًا من راكبي البحار ومتتبعي عجائب الآثار فلم يذكروا أنهم رأوا ذلك ولا أهدي إليهم في مملكة من الممالك فلعل أمره إن صح كل من الإثبات والنفي صار اليوم كالعنقاء كانت فعدمت والله تعالى أعلم بحقيقة الحال والفاء على ما يقتضيه كلامهم فصيحة أي فحي وسقط في البحر فاتخذ، وقدر بعضهم المعطوف عليه الذي تفصح عنه الفاء بالواو على خلاف المألوف ليدفع به الاعتراض على كون الحال الذي نسيه يوشع ما رأى من حياته ووقوعه في البحر بأن الفاء تؤذن بأن نسيانه عليه السلام كان قبل حياته ووقوعه في البحر واتخاذه سربًا فلا يصح اعتبار ذلك في الحال المنسي.
وأجيب بأن المعتبر في الحال هو الحياة والوقوع في البحر أنفسهما من غير اعتبار أمر آخر والواقع بعدهما من حيث ترتب عليهما الاتخاذ المذكور فهما من حيث أنفسهما متقدمان على النسيان ومن حيث ترتب الاتخاذ متأخران وهما من هذه الحيثية معطوفان على نسيا بالفاء التعقيبية، ولا يخفى أنه سيأتي في الجواب إن شاء الله تعالى ما يأبى هذا الجواب إلا أن يلتزم فيه خلاف المشهور بين الأصحاب فتدبر، وانتصاب {سَرَبًا} على أنه مفعول ثان لاتخذ و{فِى البحر} حال منه ولو تأخر كان صفة أو من السبيل، ويجوز أن يتعلق باتخذ، و{فِى} في جميع ذلك ظرفية.
وربما يتوهم من كلام ابن زيد حيث قال: إنما اتخذ سبيله في البر حتى وصل إلى البحر فعام على العادة أنها تعليلية مثلها في أن امرأة دخلت النار في هرة فكانه قيل فاتخذ سبيله في البر سربًا لأجل وصوله إلى البحر، ووافقه في كون اتخاذ السرب في البر قوم، وزعموا أنه صادف في طريق في البر حجرًا فنقبه، ولا يخفى أن القول بذلك خلاف ما ورد في الصحيح مما سمعت والآية لا تكاد تساعده، وجوز أن يكون مفعولًا اتخذ {سَبِيلِهِ وَفِى البحر} وسربًا حال من السبيل وليس بذاك، وقيل حال من فاعل اتخذ وهو بمعنى التصرف والجولان من قولهم فحل سارب أي مهمل يرعى حيث شاء، ومنه قوله تعالى: {وَسَارِبٌ بالنهار} [الرعد: 109] وهو في تأويل الوصف أي اتخذ ذلك في البحر متصرفًا، ولا يخفى أنه نظير سابقه.
{فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)}.
{فَلَمَّا جَاوَزَا} أي ما فيه المقصد من مجمع البحرين، صح أنهما انطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان الغد وارتفع النهار أحس موسى عليه السلام بالجوع فعند ذلك {قَالَ لفتاه ءاتِنَا غَدَاءنَا} وهو الطعام الذي يؤكل، أول النهار والمراد به الحوت على ما ينبىء عنه ظاهر الجواب وقيل سارا ليلتهما إلى الغد فقال ذلك.
{لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هذا نَصَبًا} أي تعبًا وإعياءً، و{هذا} إشارة إلى سفرهم الذي هم ملتبسون به ولكن باعتبار بعض أجزائه، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لم يجد موسى شيئًا من النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به» وذكر أنه يفهم من الفحوى، والتخصيص بالذكر أنه لم ينصب في سائر أسفاره والحكمة في حصول الجوع والتعب له حين جاوز أن يطلب الغداء فيذكر الحوت فيرجع إلى حيث يجتمع بمراده، وعن أبي بكر غالب بن عطية والد أبي عبد الحق المفسر قال: سمعت أبا الفضل الجوهري يقول في وعظه: مشى موسى إلى المناجاة فبقي أربعين يومًا لم يحتج إلى طعام؛ ولما مشى إلى بشر لحقه الجوع في بعض يوم، والجملة في محل التعليل للأمر بإيتاء الغداء إما باعتبار أن النصب إنما يعتري بسبب الضعف الناشىء عن الجوع، وإما باعتبار ما في أثناء التغدي من استراحة ما، وقرأ عبد الله بن عبيد بن عمير {نَصَبًا} بضمتين، قال صاحب اللوامح: وهي إحدى اللغات الأربع في هذه الكلمة.
{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)}.
{قَالَ} أي فتاه، والاستئناف بياني كأنه قيل فما صنع الفتى حين قال له موسى عليه السلام ما قال؟ فقيل قال: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصخرة} أي التجأنا إليها وأقمنا عندها، وجاء في بعض الروايات الصحيحة أن موسى عليه السلام حين قال لفتاه: {لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هذا نَصَبًا} [الكهف: 62] قال: قد قطع الله عنك النصب، وعلى هذا فيحتمل أنه بعد أن قال ذلك قال: {أَرَأَيْتَ} الخ، قال شيخ الإسلام: وذكر الاواء إلى الصخرة مع أن المذكور فيما سبق بلوغ مجمع البحرين لزيادة تعيين محل الحادثة فإن المجمع محل متسع لا يمكن تحقيق المراد بنسبة الحادثة إليه ولتمهيد العذر فإن الاواء إليها والنوم عندها مما يؤدي إلى النسيان عادة انتهى.
وهذا الأخير إنما يتم على بعض الروايات من أنهما ناما عند الصخرة، وذكر أن هذه الصخرة قريبة من نهر الزيت وهو نهر معين عنده كثير من شجر الزيتون، و{أَرَأَيْتَ} قيل بمعنى أخبرني؛ وتعقبه أبو حيان بأنها إذا كانت كذلك فلابد لها من أمرين كون الاسم المستخبر عنه معها ولزوم الجملة التي بعدها الاستفهام وهما مفقودان هنا، ونقل هو ناظر الجيش في شرح التسهيل عن أبي الحسن الأخفش أنه يرى أن أرأيت إذا لم ير بعدها منصوب ولا استفهام بل جملة مصدرة بالفاء كما هنا مخرجة عن بابها ومضمنة معنى اما أو تنبه فالفاء جوابها لا جواب إذ لأنها لا تجازي إلا مقرونة بما بلا خلاف فالمعنى إما أو تنبه إذ أوينا إلى الصخرة {فَإِنّى نَسِيتُ الحوت} وقال شيخ الإسلام: الرؤية مستعارة للمعرفة التامة والمشاهدة الكاملة، ومراده بالاستفهام تعجيب موسى عليه السلام مما اعتراه هناك من النسيان مع كون ما شاهده من العظائم التي لا تكاد تنسى، وقد جعل فقدانه علامة لوجدان المطلوب وهذا أسلوب معتاد بين الناس يقول أحدهم لصاحبه إذا نابه خطب: أرأيت ما نابني يريد بذلك تهويله وتعجيب صاحبه منه وأنه مما لا يعهد وقوعه لا استخباره عن ذلك كما قيل، والمفعول محذوف اعتمادًا على ما يدل عليه من قوله: {فَإِنّي} إلخ وفيه تأكيد للتعجيب وتربية لاستعظام المنسي اهـ. وفيه من القصور ما فيه.
والزمخشري جعله استخبارًا فقال: إن يوشع عليه السلام لما طلب منه موسى عليه السلام الغداء ذكر ما رأى من الحوت وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية فدهش فطفق يسأل عن سبب ذلك كأنه قال: أرأيت ما دهاني إذا أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت فحذف ذلك اهـ.، وفيه إشارة إلى أن مفعول {أَرَأَيْتَ} محذوف وهو إما الجملة الاستفهامية إن كانت ما في ما دهاني للاستفهام وإما نفس ما إن كانت موصولة، وإلى أن إذ ظرف متعلق بدهاني وهو سبب لما بعد الفاء في {فَإِنّي} وهي سببية، نظير ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: 11] فإن التقدير وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم فسيقولون إلخ وهو قول بأن أرأيت بمعنى أخبرني وقد سمعت ما قيل عليه، وفي تقديره أيضًا على الاحتمال الثاني ما في حذف الموصول مع جزء الصلة بناءً على أن {فَإِنّى نَسِيتُ} من تتمتها، وعلى العلات ليس المراد من الاستخبار حقيقته بل تهويل الأمر أيضًا، ثم لا يخفى إن رأى إن كانت بصرية أو بمعنى عرف احتاجت إلى مفعول واحد والتقدير عند بعض المحققين أأبصرت أو أعرفت حالي إذ أوينا وفيه تقليل للحذف ولا يخفى حسنه، وإن كانت علمية احتاجت إلى مفعولين وعلى هذا قال أبو حيان: يمكن أن تكون مما حذف منه المفعولان اختصارًا والتقدير أرأيت أمرنا إذ أوينا ما عاقبته، وإيقاع النسيان على اسم الحوت دون ضمير الغداء مع أنه المأمور بإيتائه قيل للتنبيه من أول الأمر على أنه ليس من قبيل نسيان زاده في المنزل وأن ما شاهده ليس من قبيل الأحوال المتعلقة بالغداء من حيث هو غداء وطعام بل من حيث هو حوت كسائر الحيتان مع زيادة؛ وقيل للتصريح بما في فقده إدخال السرور على موسى عليه السلام مع حصول الجواب فقد تقدم رواية أنه قال له: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، ثم الظاهر أن النسيان على حقيقته وهو ليس متعلقًا بذات الحوت بل بذكره.
وجوز أن يكون مجازًا عن الفقد فيكون متعلقًا بنفس الحوت، والأكثرون على الأول أي نسيت أن أذكر لك أمر الحوت وما شاهدت من عجيب أمره {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان} لعله شغله بوساوس في الأهل ومفارقة الوطن فكان ذلك سببًا للنسيان بتقدير العزيز العليم وإلا فتلك الحال مما لا تنسى.
وقال بعضهم: إن يوشع كان قد شاهد من موسى عليه السلام المعجزات القاهرات كثيرًا فلم يبق لهذه المعجزة وقع عظيم لا يؤثر معه الوسوسة فنسي.
وقال الإمام: إن موسى عليه السلام لما استعظم علم نفسه أزال الله تعالى عن قلب صاحبه هذا العلم الضروري تنبيهًا لموسى عليه السلام على أن العلم لا يحصل إلا بتعليم الله تعالى وحفظه على القلب والخاطر، وأنت تعلم أنه لو جعل الله تعالى المشاهد الناسي هو موسى عليه السلام كان أتم في التنبيه، وقد يقال: إنه أنسي تأديبًا له بناءً على ما تقدم من أن موسى عليه السلام لما قال له: لا أكلفك إلخ قال له ما كلفت كثيرًا حيث استسهل الأمر ولم يظهر الالتجاء فيه إلى الله تعالى بأن يقول: أخبرك إن شاء الله تعالى، وفيه أيضًا عتاب لموسى عليه السلام حيث اعتمد عليه في العلم بذهاب الحوت فلم يحصل له حتى نصب، ثم إن هذه الوسوسة لا تضر بمقام يوشع عليه السلام وإن قلنا أنه كان نبيًا وقت وقوع هذه القصة.
وقال بعض المحققين: لعله نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وانجذاب شراشره إلى جناب القدس بما اعتراه من مشاهدة الآيات الباهرة، وإنما نسبه إلى الشيطان مع أن فاعله الحقيقي هو الله تعالى والمجازي هو الاستغراق المذكور هضمًا لنفسه بجعل ذلك الاستغراق والانجذاب لشغله عن التيقظ للموعد الذي ضربه الله تعالى بمنزلة الوساوس ففيه تجوز باستعارة الشيطان لمطلق الشاغل، وفي الحديث: «إنه ليغان على قلبي فاستغفر الله تعالى في اليوم سبعين مرة» أو لأن عدم احتمال القوة للجانبين واشتغالها بأحدهما عن الآخر يعد من نقصان صاحبها وتركه المجاهدات والتصفية فيكون قد تجوز بذلك عن النقصان لكونه سببه، وضم حفص الهاء في {أَنْسَانِيهُ} وهو قليل في مثل هذا التركيب قلة النسيان في مثل هذه الواقعة، والجمهور على الكسر وأمال الكسائي فتحة السين.
وقوله تعالى: {أَنْ أَذْكُرَهُ} بدل اشتمال من الهاء أي ما أنساني ذكره لك إلا الشيطان، قيل وفي تعليق الفعل بضمير الحوت أولاف وبذكره له ثانيًا على طريق الإبدال المنبىء عن تنحيته المبدل منه إشارة إلى أن متعلق النسيان ليس نفس الحوت بل ذكر أمره.
وفي مصحف عبد الله وقراءته {إن}، وفي إيثار أن والفعل على المصدر نوع مبالغة لا تخفى.
{أَذْكُرَهُ واتخذ سَبِيلَهُ في البحر عَجَبًا} الظاهر الذي عليه أكثر المفسرين أن مجموعه كلام يوشع وهو تتمة لقوله: {فَإِنّى نَسِيتُ الحوت} وفيه إنباء عن طرف آخر من أمره وما بينهما اعتراض قدم عليه للاعتناء بالاعتذار كأنه قيل حي واضطرب ووقع في البحر واتخذ سبيله فيه سبيلًا عجبًا، فسبيله مفعول أول لاتخذ و{فِى البحر} حال منه و{عَجَبًا} مفعول ثان، وفي ذكر السبيل ثم إضافته إلى ضمير الحوت ثم جعل الظرف حالًا من المضاف تنبيه إجمالي على أن المفعول الثاني من جنس الأمور الغريبة، وفيه تشويق للمفعول الثاني وتكرير مفيد للتأكيد المناسب للمقام، فهذا التركيب في إفادة المراد أو في لحق البلاغة من أن يقال واتخذ في البحر سبيلًا عجبًا، وجوز أن يكون {فِى البحر} حالًا من {عَجَبًا} وأن يكون متعلقًا باتخذ، وأن يكون المفعول الثاني له و{عَجَبًا} صفة مصدر محذوف أي اتخاذًا عجبًا وهو كون مسلكه كالطاق والسرب، وجوز أيضًا على اهتمال كون الظرف مفعولًا ثانيًا أن ينصب {عَجَبًا} بفعل منه مضمر أي أعجب عجبًا، وهو من كلام يوشع عليه السلام أيضًا تعجب من أمر الحوت بعد أن أخبر عنه، وقيل إن كلام يوشع عليه السلام قد تم عند. وقول أعجب عجبًا كلام موسى عليه السلام كأنه قيل: وقال موسى: أعجب عجبًا من تلك الحال التي أخبرت بها، وأنت تعلم أنه لو كان كذلك لجىء بالجملة الآتية بالواو والعاطفة على هذا المقدر، وقيل يحتمل أن يكون المجموع من كلامه عز وجل وحينئذٍ يحتمل وجهين، أحدهما أن يكون إخبارًا منه تعالى عن الحوت بأنه اتخذ سبيله في البحر عجبًا للناس، وثانيهما أن يكون إخبارًا منه سبحانه عن موسى عليه السلام بأنه اتخذ سبيل الحوت في البحر عجبًا يتعجب منه، و{عَجَبًا} على هذا مفعول ثان ولا ركاكة في تأخير {قَالَ} [الكهف: 64] الآتي عنه على هذا لأنه استئناف لبيان ما صدر منه عليه السلام بعد، ويؤيد كونه من كلام يوشع عليه السلام قراءة أبي حيوة {واتخاذ} بالنصب على أنه معطوف على المنصوب في {أَنْ أَذْكُرَهُ}.
{قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)}.
{قَالَ} أي موسى عليه السلام {ذلك} الذي ذكرت من أمر الحوت {مَا كُنَّا نَبْغِ} أي الذي كنا نطلبه من حيث أنه أمارة للفوز بما هو المطلوب بالذات، وقرئ: {نَبْغِ} بغير ياء في الوصل وإثباتها أحسن وهي قراءة أبي عمرو والكسائي. ونافع، وأما الوقف فالأكثر فيه طرح الياء اتباعًا لرسم المصحف، وأثبتها في الحالين ابن كثير {فارتدا} أي رجعا {على ءاثَارِهِمَا} الأولى، والمراد طريقهما الذي جاءا منه {قَصَصًا} أي يقصانه قصصًا أي يتبعانها اتباعًا فهو من قص أثره إذا اتبعه كما هو الظاهر، ونصبه على أنه مفعول لفعل مقدر من لفظه، وجوز أن يكون حالًا مؤولًا بالوصف أي مقتصين حتى أتيا الصخرة التي فقد الحوت عندها. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} أي: اذكر وقت قول موسى لفتاه، لا أبرح، أي: لا أزال أسير حتى أبلغ مجمع البحرين. أي: المكان الذي فيه ملتقى البحرين. فأجد فيه الخضر. أو أسير زمانًا طويلًا إن لم أجده ثمة، فأتيقن فوات المطلب.